طريق المحارب وفن الساموراي

ابي اختار لي اسمي .. وأسلافي اختاروا لي اسم عائلتي .. هذا يكفي , أنا من اختار طريقي. علي شريعتي


البوشيدو , فن السيف


مصطلحات تجدها في التدوينة:

البوشي: يعني به رجل سلاح ومحارب محترف.
الزن: ديانة بوذية.

يدعو المذهب البوذي الى اللاعنف. وينتهي الزن الى التقليد الماهاياتي الذي يعتبر الرحمة وكيزة اساسية وحافزا على عدم الأذى و الاقلاع عن ايذاء اي كائن أيا كان, لأن الضرر بالآخر مثل الضرر بالنفس لا يولد الا المعانات. وبدلا من جعل فنون القتال في خدمة الزن , فان الطبقة العسكرية اليابانية ستستمد شجاعتها وبسالتها خلال عهد كاماكورا (١١٨٥ - ١٣٣٣) وعلى مدى قرون عديدة من الزمن.

وعلى الرغم من التناقض الصارخ و فإن بوذية الزن ستؤثر بقوة على المثل العليا للساموراي الذي يجسد قمة العنف سواء على ارض المعركة او على مستوى المقاطعات المستولي عليها. هكذا , يبدو "البوشيدو" أو "طريق المحارب" رمز الشجاعة و الشرف و الشهامة للساموراي , ويعتبر تطبيقا عمليا للتعاليم الزن وأيضا لمبادئ الكونفوشيوسية الجديدة التي تدعو بصفة خاصة الى قيم الاخلاص في العمل و احترام العشيرة .

بعيدا عن الخير و الشر , كان المحاربون اليابانيون في العهد الإقطاعي (ويسمون البوشي) يمجدون الموت ومن ثم فعل القتل.

قد يبدو المجال مألوفا وكأننا في دائرة الفتوة المسيحية , حيث يسمح بالقتل و انتقام من منظور المحبة و الغفران . لكن الأمر يختلف هنا تمام الاختلاف لأن البوشيين لم يقوموا ابدا بحملات صليبية ولم يسعوا الى الرد الى جادة الدين. ولم يحدث يوما ان احدا قتل من اجل البوذية , لكن البعض استطاع ذلك بفعلها.
ان بوذية البوشي لا تفيده الا في التحكم في نفسه و بالتالي التفوق في فنون القتال و الفنون الاخرى . و الزن من ثم محض أداة , اي "قارب" كما يقول بوذا , لكن لا يمكننا ان نجعله يعبر ضفافا غير ضفافه.

ان فن الخط  الذي يعتبر مدرسة اخرى للانضباط و التأمل , مثله ذلك مثل السيف وفن الرماية , يندرج في تربية المحاربين الصارمة, فبالنسبة لهؤلاء كان فعلا التحرك وحمل البندقية لا ينفصلان عن فن الخط و النمو , وبالطبع عن اي حركة في الحياة اليومية.

تشكل الاستقامة و الصبر و الطاعة آداب السلوك و الاخلاق لهؤلاء المحاربين الشجعان . و هم يتحلون بالشهامة و يمتثلون للأوامر باسم الحق, وقد يجعل الساموراي بحساسيتهم الخاصة ازاء مبادئ الانضباط و التحكم في النفس عبر التأمل , من الزن طقسهم الديني الخاص , فستمدو منه تقنيات تقوية الطاقة و الهدوء و الارادة للاقدام على ما هو اساس وعدم الخوف من الموت. ذلك ان الحياة و الموت ينتميان الى ذات الحقيقة . في نظر العديد من محاربي امبراطورية الجزيرة , ويبدو الزن ظاهريا شكلا مروحنا من الشينتو و هو الدين الأصل لليابان الذي يقدس قوى الطبيعة . تمكن السكينة الداخلية المحاربين من تهذيب دوافعهم العدوانية .

ان العمل على افراغ الذهن وعدم الانزعاج بأي فكرة , و التجرد من العدو ومن النفس , و العيش في العالم في استعداد دائم للخروج منه , كلها مواقف تعرب عن تطبيق عملي لحرية الكائن بعيد المنال . لذلك , فلا غرابة ان تتخذ زهرة الكرز شعارا للساموراي ولذلك لما ترمز اليه من سرعة زوال الحياة , فهي هشة لدرجة انها تتلاشى قبل ان تذبل وتضمحل في اوج شبابها ومجدها.

في يابان القرون الوسطى المنهوك بالقتال المتواصل وبسلسلة من الصراعات السياسية بين الطبقات الأرستقراطية , وبينما انحازت الطبقة الأرستقراطية بسبب ميلها للتنظيم الى مدارس التنداي و الشنغون , آثرت الطبقة المحاربة تقشف الزن . وهذا الوجه للزن "باعتباره طريقا دون لف او تعرج" هو الذي حافظ على صلابة المحاربين العقلية .

علاوة على ذلك , كان الساموراي غالبا ما يقصد شيخ الزن ليستمد شجاعته من الدين الذي يعلم " السير الى الامام دون الالتفات ابدا الى الوراء" و كذا المبدأ الذي بموجبه تعتبر الحياة و الموت وجهين لوجود واحد , وكيفية نكران الذات للتوحد بالحياة.

من خلال المراسلات , قام شيخ مدرسة رنزاي بتزويد الرسام و الشاعر و الخطاط تاكوان سوطو (1573 - 1645) , سليل عائلة من المحاربين , و العارف بالكونفوشيوسية و شيخ الاسلحة للشغون توكوغاوا ايميتسو , ياغيو مونونوري (1571 - 1646) , بالنصائح للخروج منتصرا من معركة. وسيكون لأحد كتبه "ملاحظات حول سر الحكمة الثابتة" تأثير على ممارسي فنون القتال.

خلافا للفكر الأفلاطوني و المسيحي , فان روحانيات الشرق الأقصى تجمع دون تناقض قوى الجسم و النفس , فحتى قبل اقتران السيف بالزن, كان الرهبان المحاربون في الجيوش الخاصة لأديرة المدارس البوذية اليابانية الأخرى يحاربون بلا هوادة على مدى قرون , ولم تتوقف هذه الصراعات الداخلية الا في نهاية القرن السادس عشر.

يكشف الزن على ان العدو الأكثر شراسة يكمن في الذات وفي أوهام الأنا. يجب مقاومة هذا الخصم بالصبر و اللاعنف. فالعدو الخارجي ليس الا انعكاسا للعدو الداخلي . هاهو القول المأثور يتوجه بقساوة لمحبي الحرب: "اذا هزم رجل في معركة الف رجل , واذا استطاع رجل آخر ان يهزم نفسه , فسيكون الفائز الأكبر هو الثاني."

تعليقات

تدوينات قد تنال اعجابك