سلسلة الطاقة الداخلية - 4
الموضوع السابق من هنا
ثانيا: حقبة المماليك المتحاربة - حقبة الـ chin و الـ han :
مع افول شمس سلالة التشو بدأت مرحلة الاضطرابات الاجتماعية و السياسية فعرفت بحقبة الممالك المتحاربة. ولكن لغرابة الامر , كانت هذه المرحلة مليئة بالابداعات العقلية و الفلسفية. فقد ظهر "كونفوشيوس" و "لاو تسه" والعديد من الحكماء الاخرين خلال تلك الفترة.
ألف لاو تسه الكتاب الشهير Tao Teh Ching (كتاب تاو الطريق و الفضيلة) وعرف باسم "الحكيم القديم" . من اقوال لاو تسه في التاو ته تشينغ : "القساوة و الصلابة هما طريق الموت , أما اللين و الطراوة فهما طريق الحياة" .
اكد لاو تسه دائما على وجود التحول المستمر في كل شيء , على أهمية الليونة و الانسياق مع تغيرات الحياة , وعلى ان القساوة و التصلب في الفكر و المشاعر وحركات الجسم لا تتوافق مع مبادئ الحياة. فالشيء الوحيد الذي لا يتغير هو التاو.
كذلك كونفوشيوس ادرك اهمية الحركات الانسيابية الناعمة . ففي كتابه المعروف بحوليات الربيع و الخريف يقول : "الماء المنساب لا يصاب بالركود, وحواف الباب المتحرك لا يطأها الصدأ , وهذا بفضل الحركة . نفس المبادئ تنطبق على الانسان. اذا لم يتحرك البدن , لا ينساب الجوهر , وعندما لا ينساب الجوهر , تركد الطاقة". يذكر هذا -لعمري- بقول النفري : "العلم المستقر هو الجهل المستقر".
في عام 221 قبل الميلاد استطاعت مملكة التشن الهجوم على الصين من الناحية الشمالية الشرقية وتوحيد الممالك ضمن امبراطورية واحدة لأول مرة في تاريخ الصين (اتى الاسم الغربي للصين من اسم هذه الامبراطورية : تشن ).
كان الامبراطور المؤسس Chin Shi-huang شديد الاهتمام بالخيمياء كطريقة لاطالة الحياة , وقد ابقى عدد كبير من الخيميائيين في قصره. ولكنه اتبع -لسوء الحظ- المدرسة الخارجية في الخيمياء التي تشبه مثيلتها في عصر الانحطاط عند العرب وفي اواخر العصور الوسطى في اوروبا في محاولتها للوصول للجوهر النفيس او العقار الذهبي من معادن اقل قيمة ومن اعشاب سامة.
وهذا يشبه , الى حد ما , المنهج الغربي الحالي باستعمال المواد الكيمياوية لمعالجة المرض. استمر هذا النهج الى عصر سلالة الهن. وفي الحقيقة , فقد توفي العديد من امراء التشن و الهن بسبب ابتلاعهم مركبات معدنية سامة, سواء كان ذلك من جراء فكرة مجنونة خطرت ببالهم او دسيسة كاد لهم بها غيرهم.
في نفس تلك الفترة ظهرت قلة من الخيميائيين العباقرة الذين ابقوا على تعاليم الامبراطور الاصفر حية , ومنهم Lu Puwei الذي صنف كتابين هامين هما : كتاب لو في الربيع و الخريف الذي يتناول الانسجام بين السماء و الانسانية , وخاصة تنظيم فعاليات الانسان مع دورات الطبيعة, وكتاب طريقة تهذيب الحياة الذي يشمل معلومات قيمة عن التغذية المتوازنة و التنفس العميق , بالاضافة الى تمارين الـ dao_yin و اليوغا الجنسي.
في حقبة الهن المتأخرة ظهر الطبيب Hua To الذي يعتبر من اشهر اعلام الطب الصيني التقليدي و الخيمياء الداخلية, وهو مؤسس التمرين المعروف بـ " لعبة الوحوش الخمسة" Wu-Chinshi التي ما تزال تستعمل على نطاق واسع لمعالجة الامراض , ومنها السرطان . كذلك ظهر العالم الشهير wei po-yang الذي الف كتابا هاما في الخيمياء التاوية عنوانه اتحاد المعادلة الثلاثية , شرح فيه الخيمياء الداخلية للتنفس العميق وتحول الطاقة ولليوغا الجنسي.
كشفت الحفريات الأثرية الحديثة في مقاطعة خونان عن عديد من الوثائق و الملفات التي يعود بعضها الى 2000 سنة قبل الميلاد والتي نجد فيها مخططات متعددة لنظام الطاقة داخل الانسان وتمارين مختلفة للـ dao-yin والـ chi-gung والعديد من المخططات التشريحية الاخرى . وتوجد دلائل واضحة على ان المدرسة الداخلية للخيمياء حلت محل المدرسة الخارجية منذ القرن الثاني الميلادي, بينما لم يقم العرب , ومن بعدهم الاروبيون , بهذه القفزة الا بعد 800 - 1400 سنة على الاقل على ما يبدو.
وكان لهذا نتيجتان اساسيتان: أولهما ان اكسير الحياة الحقيقي هو اكسير الطاقة الداخلية اللامادي , والطريقة الوحيدة للحصول عليه هي بالممارسة الشخصية المنهجية الصادقة , وليست عن طريق ابتلاع مركبات معدنية وسمية خارجية , والنتيجة الثانية هي اتاحة هذه الفرصة من الصحة وطول العمر لكل الناس وليست فقط لطبقة معينة من الاثرياء و الحكام
الأرنب الأبيض الأسطوري يصنع إكسير الحياة على سطح القمر، من الأساطير الصينية، أو شرق الأسيوية |
أكسير الحياة: المعروف أيضًا بإكسير الأبدية وأحيانًا يعرف بحجر الفلاسفة: هو عقار أسطوري أو مشروب يضمن لشاربه حياة أبدية أو شباب أبدي، وقد سعى إليه العديد من ممارسي الخيمياء (الكيمياء القديمة). وقيل أيضًا عن إكسير الحياة أنه يمكن أن يخلق الحياة. وهو أيضًا مرتبط بأسطورة تحوت وهرمس الهرامسة، حيث قيل عن كل منهما في حكايات متفرقة أنه تناول "القطرات البيضاء" (الذهب السائل)، وحصل على بذلك على الأبدية. وقد ذكر في أحد نصوص نجع حمادي أن الماء معروف أنه إكسير الحياة حيث أنه مصدرًا هامًا لحياتنا.
واخيرا نختمها بقول الله تعالي : "كل نفس ذائقة الموت" فلا أكسير الحياة و لاهم يحزنون .. انظروا كم عاش سيدنا نوح عليه السلام ومات وكم عاش قبله وبعده وماتوا .. مع انهم يسمون انفسهم بالحكماء احيانا ولكنهم جهلاء الا حد السخافة , فالحمد لله على نعمة الاسلام.
تعليقات
إرسال تعليق
من الرائع ان تشاركني تجربتك ورأيك، من فضلك لا تستخدم اي كلمات خارجة أو روابط لا علاقة لها بالموضوع او ان تضع تعليق اعلاني، لانه سيتم حذفه فوراً. فالتعليقات خاضعة للاشراف ، دعنا نجعل التعليقات ساحة لتبادل الخبرات والنقاش وربما الاختلاف مع الكاتب ليستفيد الجميع، شكراً لتفهمك :)